[b]مفاتيح سورة آل عمران
أولاً:اسم السورة
لهذه السورة عدة أسماء منها : (1)
1- آل عمران :
وقد سميت بهذا الإسم : لأن اصطفاء آل عمران وهم : عيسى ويحيى ومريم , وأمها , عليهم السلام .. نزل فيه ما لم ينزل فى غيره ؛ إذ هو بضع وثمانون آية .
وقد جعل الله تعالى هذا الاصطفاء دليلاً على اصطفاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , وجعله متبوعاً لكل محب لله , ومحبوب له .(2)
2-الزهراء : (3)
وذلك لما ورد فى صحيح مسلم من تسميتها والبقرة بـ" الزهراوين "
فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " إقرؤا الزهرواين .. البقرة وآل عمران , فإنهما تأتيان يوم القيامة , كأنهما غمامتان – أو غيايتان _ أو كأنهما فِرْقان من طير صواف , تحاجان عن أصحابهما " . (4)
3-طيبة :
وذلك : لما حكاه النقاش من أن اسمها فى التوراة " طيبة " (5)
وقد سميت به كذلك : لجمعها من أصناف الطيبين (6) , فى قوله تعالى : { الصابرين والصادقين والقانتين... } [ آل عمران : 17 ]
لها كذلك من الأسماء :
4- الكنز :
وذلك : لتضمنها الأسرار العيسوية. (6)
5- المجادلة :
وذلك لنزول نيف وثمانين آية منها فى مجادلة رسول الله صلى الله عليه وسلم , نصارى نجران . (6)
6- سورة الإستغفار :
وذلك : لما فيها من قوله تعالى (6) { الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار }[ آل عمران : 17 ] .
7- الأمان :
ويضيف الفيروز أبادى هذا الإسم أيضا ً .(8)
وذلك : لأن من تمسك بما فيها ..أمن من الغلط فى شأن عيسى عليه السلام .(7)
8- السورة التى يذكر فيها : آل عمران . والعلة واضحة .
ويضيف الإمام الألوسى – كذلك – ما يلى (9)
9- المغنية :
وحقاً إنها المغنية فى بيان صحة العقيدة الإسلامية , وفساد ما سواها .
ثانياً : عدد آيات السورة و كلماتها و حروفها
عدد آياتها :
(200) مائتـا آية .(10) .
عدد كلماتها :
(485) خمس وثمانون وأربعمائة آية .
عدد حروفها :
(4424) أربعة وعشرون وأربعمائة وأربعة آلاف حرف .
ثالثاً : ترتيب السورة فى المصحف و فى النزول
1- فى المصحف :
بعد سورة " البقرة ", وقبل سورة " النساء" .
2- فى النزول :
بعد سورة " الأنفال " , وقبل سورة " الأحزاب " .
رابعاً : سبب نزول السورة
نزل صدر سورة آل عمران : فى وفد من نصارى نجران . وكانوا ستين راكبا , فيهم أربعة عشر من أشرافهم , وعلى رأسهم :أميرهم , ووزيرهم , وحبرهم .
ولما قدموا إلى المدينة على النبى صلى الله عليه وسلم , وعليهم الحيرات , تكلم منهم ثلاثة :
فمرة قالوا : عيسى بن مريم إله , لأنه يحى الموتى .
وتارة قالوا: هو ابن الله , إذ لم يكن له أب .
تارة قالوا: هو ثالث ثلاثة ؛ لقوله تعالى ( قلنا , فعلنا ) ولوكان واحدا لقال : قلت وفعلت .
وحاجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يدحض حجتهم , ويزيل شبهتهم .
ولكنهم عاندوا , حتى طالبهم النبى صلى الله عليه وسلم بالمباهلة , فامتنعوا .
فأنزل الله تعالى من أول السورة إلى نيف وثمانين آية منها : تقريرا لما احتج به النبى صلى الله عليه وسلم وبيانا لعنادهم وجحودهم .
ويروى : أنهم انصرفوا إلى بلادهم , على أن يؤدوا فى كل عام ألف حلة فى صفر ,
ومثلها فى رجب ؛ فصالحهم النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك . (11)
خامساً : مكية السورة و مدنيتها
سورة آل عمران : مدنية .
سادساً : فضل السورة
من ذلك :
1-ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" اقرؤا الزهرواين, البقرة وآل عمران؛ فإنهما تأتيان يوم القيامة, كأنهما غمامتان – أو غيايتان, أو كأنهما فِرقان من طير صواف, تحاجان عن أصحابهما".(4)
2-وكان سعيد بن جبير يروى عن عمر قوله: من قرأ البقرة وآل عمران ليلةكان – أو كتب – من القانتين. (12)
3-وكان يزيد بن الأسود الحرشى يحدث: أنه من قرأ البقرة وآل عمران فى يوم برئ من النفاق حتى يمسى, ومن قرأها فى ليلة برئ من النفاق حتى يصبح, قال: فكان يقرءوهما كل يوم وليلة سوى جزئه.(12)
4-"وعن النبى صلى الله عليه وسلم تعلموا البقرة وآل عمران فإنهما الزهروان وإنهما يأتيان يوم القيامة فى صورة ملكين , يشفعان لصاحبهما حتى يدخلاه الجنة".(13)
هذا..
وننبه علي أن ما ذكره بعض المفسرين في فضلها من حديث أبي ابن كعب ... أنه حديث موضوع .
من ذلك : ما ذكره الزمخشري وغيره ، في كتبهم .. أنه صلي الله عليه وسلم قال :
" من قرأسورة آل عمران : أعطي بكل آية منها .. أمانا علي جسر جهنم "
أيضا : " من قرأ السورة التي يذكر فيها آل عمران يوم الجمعة : صلي الله علي وملائكته حتي تحجب الشمس "
[للمزيد.. انظر : فضل سورة الفاتحة ]
سابعاً : صلة السورة بما قبلها
1- هذه السورة : تشرح كثيراً من مجملات سورة البقرة .(9)
2- فإذا كانت البقرة : بمنزلة إقامة الحجة ..!! فإن آل عمران : بمنزلة إزالة الشبهة .
ولهذا ..
تكرر فيها ما يتعلق بالمقصد , الذى هو بيان حقيقة الكتاب .. من إنزال الكتاب , وتصديقه للكتب من قبله , والهدى إلى الصراط المستقيم .
وتكررت آية { قولوا آمنا بالله وما أنزل بكمالها }. [البقرة 136،آل عمران 84]
ولذلك :
ذكر فى آل عمران : ما هو تال لما ذكر فى البقرة , أو لازم لها .
فذكر فى البقرة : خلق الناس , وذكر هنا : تصويرهم فى الأرحام .
وذكر فى البقرة : مبدأ خلق آدم , وذكر هنا : مبدأ خلق أولاده .
3- وألطف من ذلك :
أنه افتتح البقرة : بقصة آدم , وخلقه من غير أم , وذكر فى هذه : نظيره فى الخلق من غير أب , وهو عيسى .
ولذلك : ضرب له المثل بآدم .
واختصت البقرة بآدم :
لأنها أول السور, وهو أول فى الوجود .
ولأنها الأصل , وهذه كالفرع والتتمة لها ؛ فاختصت بالأغرب .
ولأنها : خطاب لليهود , الذين قالوا فى مريم ما قالوا , وأنكروا وجود ولد بلا أب؛ ففوتحوا بقصة آدم ؛ لتثب فى أذهانهم , فلا تأتى قصة عيسى إلا وقد ذكر عندهم ما يشهد لها من جنسها .
ولأن قصة عيسى : قيست على قصة آدم , والمقيس عليه لا بد وأن يكون كل هذا معلوما ؛ لتتم الحجة بالقياس .
4- كانت قصة آدم – والسورة التى فيها – جديرة بالتقديم .
كل من السورتين بدأ بذكر الكتاب (14) .
وفى البقرة ذكر عقيب ذلك من يؤمن ومن لا يؤمن .
وفى آل عمران ذكر عقيب ذلك الزائغين الذين يتبعون ما تشابه منه, ثم الراسخين فى العلم الذين يقولون : كل من عند ربنا .
5 - فى كل من السورتين : محاجة أهل الكتاب. (7)
وفى البقرة : أفاض فى محاجة اليهود , واختصر فى محاجة النصارى، وذلك لأن اليهود متقدمون , فقدم .
وفى آل عمران : أفاض فى محاجة النصارى, واختصر فى محاجة اليهود .
وذلك : لأن النصارى متأخرون , فأخر. (14)
6-إذا كان سبحانه وتعالى : قد قال فى سورة البقرة , فى صفة النار { أعدت للكافرين }[ البقرة : 24] .
ومع افتتاحها بذكر : المتقين والكافرين معاً!
فقد قال فى هذه السورة { وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين }[ آل عمران : 133 ]
وكأن السورتين – على هذا – بمنزلة سورة واحدة .
7- إذا كانت سورة البقرة : قد افتتحت بذكر المتقين , {وأنهم المصلحون}[البقرة : 2 ،5 ] .
فقد اختتمت سورة آل عمران : بقوله تعالى { واتقوا الله لعلكم تفلحون } [ آل عمران :200].
وهذا تناسب واضح بين خاتمة هذه وفاتحة تلك .
8- إذا كانت البقرة : قد افتتحت بقوله تعالى { الذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } [البقرة :4].
فقد ختمت سورة آل عمران : بقوله تعالى { وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله } آل عمران:199]
وهذا – أيضا – تناسب واضح :بين خاتمة هذه وفاتحة تلك .
9- يقول تعالى فى سورة البقرة { من ذا الذى يقرض الله قرضاً حسنا فيضاعفه له أضعافاً كثيرة .. } [البقرة :245].
وقد ورد :أن اليهود لما نزلت هذه الآية قالوا : يا محمد ..!! افتقر ربك حيث يسأل عباده القرض ..!!
فنزل فى آل عمران – قوله تعالى: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء..} [آل عمران:181] .
وهذا : يقوى الصلة والتناسب والتلازم بين السورتين .
10– فى البقرة , قول إبراهيم { ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم .. } [ البقرة : 129] .
وفى آل عمران امتنان الله على المؤمنين بما فيه إعادة الترتيب لدعوة إبراهيم عليه السلام . (15)
{ لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة .. } [ آل عمران:164].
11- الدعاء فى آخر كل منهما . الدعاء فى البقرة يناسب بدء الدين .
والدعاء فى آل عمران دعاء أهل الدين (14) إلى غير ذلك : من وجوه الترابط والتناسب والتلازم .
ثامناً : هدف السورة
تهدف السورة إلى :
1- تكوين العقيدة الإسلامية الصحيحة عن طريق مناقشة أهل الكتاب وخاصة النصارى فى عقائدهم . (16)
وهذه المناقشة : إنما هى تصوير للجانب النظرى من المعركة الكبيرة الشاملة بين الجماعة المسلمة الناشئة , وكل أعدائها الذين كانوا يتربصون بها, ويتحفزون من حولها , ويستخدمون فى حربها كل الأسلحة , وكل الوسائل , وفى أولها : زعزعة العقيدة .
وهى فى صميمها : المعركة التى ما تزال ناشئة إلى هذه اللحظة بين الأمة الإسلامية وأعدائها , إنهم : هم هم , الملحدون المنكرون, الصهيونية العالمية , والصليبية العالمية. (17)
ويتم تكوين هذه العقيدة عبر خطوط عريضة ثلاثة : (17)
الخط الأول : بيان معنى الدين , ومعنى الإسلام , إذ ليس الدين هو كل اعتقاد فى الله , إنما هو التوحيد المطلق الناصع البياض، وهو توحيد الأولوهية التى يتوجه إليها البشر , كما تتوجه إليه سائر الخلائق فى الكوب بالعبودية , ثم توحيد القوامة على البشر, وعلى الكون كله , فلا يقوم شئ إلا بالله تعالى , ولا يقوم على الخلائق إلا بالله تعالى.
وتوضح السورة هذا الخط فى أكثر من ثلاثين موضعاً من السورة .
والخط الثانى : تصوير حال المسلمين مع ربهم, واستسلامهم له , وتلقيهم لكل ما يأتيهم منه القبول والطاعة والاتباع الدقيق .
والخط الثالث : هو التحذير من ولاية غير المؤمنين, والتهوين من شأن الكافرين مع هذا التحذير , وتقرير أنه : لا إيمان ولاصلة بالله مع تولى الكفار الذين لا يحتكمون لكتاب , ولا يتبعون منهجه تعالى فى الحياة .
ويستغرق هذا الهدف : الجزء الأول من السورة تقريباً .
2- تكوين الفرد المسلم , والمجتمع المسلم فى : السلم والحرب . (16)
وذلك بتقرير : حقائق التصور الإسلامى , والعقيدة الإيمانية .
وكذلك : بتوجيهات فى بناء الجماعة المسلمة على أساس تلك الحقائق .
إلى جانب : استعراض الأحداث والوقائع والمشاعر , استعراضا يتبين منه بجلاء ..حال الجماعة المسلمة , وقطاعاتها المختلفة فى ذلك الحين .
وهذا القسم – الثانى من السورة – يتولى كذلك :
عملية بناء التصور الإسلامى وتجليته – فى مجال الحرب , وحديد المعركة ساخن , كما يقول : شهيد الإسلام سيد قطب .
عملية تثبيت هذه الجماعة على التكاليف المفروضة على أصحاب دعوة الحق فى الأرض , مع تعليمهم سنة الله فى النصر والهزيمة , وتربيتهم بالتوجيهات القرآنية , كما يربيهم بالأحداث الواقعية .
ويتم هذا التكوين للفرد المسلم والمجتمع المسلم , فى : السلم والحرب , عبر خطوط أربعة .
الخط الأول: الذى يمثل طرفا فى المعركة الجدلية بين أهل الكتاب والجماعة المسلمة فى المدينة – التى كانت مجالاً لتجلية حقيقة التصور الإيمانى, وفى مجالا لكشف حقيقة أهل الكتاب , وكشف مدى انحرافهم عن دين الله , وفضح تدبيرهم للجماعة المسلمة فى المدينة , ثم تحذير الجماعة المسلمة من هذا كله .
والخط الثانى : الذى يمثل طرفا من المعركة – التى لم تكن باللسان إنما بالسيف والسنان – والتى كانت مجالاً لتجلية نواح متعددة من التصور الإيمانى, كما كانت مجالاً لتربية الجماعة المسلمة على ضوء المعركة, وكانت – كذلك – فرصة لتوجيه الجماعة المسلمة الى المضى فى طريقها, والإرتفاع إلى مستوى الأمانة الضخمة التى ناطها الله بها .
والخط الثالث : الذى يمثل عودة أهل الكتاب, ونكولهم عن مواثيقهم, وتحذير الجماعة المسلمة من متابعتهم,وتثبيت القلوب المؤمنة على ماينالها من الإبتلاء فى النفس والمال, وتهوين شأن أعداء الجماعة المسلمة .
الخط الرابع : الذى يتم فيه رسم صورة لحال هؤلاء المؤمنين مع ربهم, وتوضيح دبيب الإيمان فى قلوبهم حين يواجهون آيات الله فى الكون , وحين توجهون إلى ربهم ورب هذا الكون بدعاء خاشع واجف .
وكذلك : دعوتهم إلى الصبر والمصابرة والمرابطة والتقوى؛ لعلهم يفلحو ن .
تاسعاً : تقسيم آيات السورة موضوعيا
تتكون آيات هذه السورة من : خمس مجموعات .
المجموعة الأولى :
عبارة عن (32آية )
ومن الآية الأولى, حتى الآية 32 .
وفيها :
حديث عن : القرآن الكريم , وإنزاله , ومنزله سبحانه وتعالى, ونوعى آياته, والموقف الصحيح منهما .
وحديث عن : الكافرين , وموقفهم من هدى هذا القرآن , وما يستحقونه بسبب هذا الموقف .
وحديث عن: تزيين الحياة الدنيا للناس , وتبيان أن الآخرة خير لمن كان تقيا..
وكأن فى هذا الحديث الأخير : تعليل لكفر الكافرين .
ثم .. حث للمؤمنين, ونهوض بهممهم , إلى الله تعالى ورضوانه . وبعد ذلك .!!
بيان لكون الدين الوحيد المقبول عند الله : هو الإسلام, وأنه دين الله فى كل العصور, وأن هذا الإسلام : أنزله الله واضحا , وأنه لا اختلاف فيه إلا بسبب البغى, وأنه معجزات واضحات , وأن من يكفر به : فإنه باغ ظالم, غير مقبول , وأن الله سيحاسبه .
ويلاحظ : أن هذا البيان, يعلمنا .. كيف نهتدى بالقرآن ..؟
وأن ذلك يكون بالتسليم له, والإيمان به .
كما يعلمنا .. كيف ندعو إلى هذا الإسلام ..؟
وكيف نقابل المحاجّة فيه .. ؟
وفيها كذلك : حديث عن أخلاق الكافرين, الذين يقتلون الأنبياء والعلماء, وعن العذاب المعد لهم.
وحديث – كذلك – عن نموذج – آخر – من الناس , وموقفهم الرافض لهذا الدين, وسبب هذا الموقف .
ويلاحظ : أن هذا الحديث ينبهنا على هذه الأخلاق , وهذه المواقف , لنبتعد عنها , ونحذر منها .
وفى نهاية المجموعة :
يتوجه الخطاب المباشر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأوامر أربعة :
فيها ..
تحديد مواقف أهل الأيمان , وتعليمهم صفحة من هداية الله لهم ؛ يواجهون بهذه المواقف وهذه التعاليم :
مواقف الكافرين , ويحققون بها – فى أنفسهم – هذا الدين , ويرتقون بها إلى مقامات المتقين .
والمجموعة الثانية :
عبارة عن (31 ) آية .
من الآية 33 حتى نهاية الآية 63 .
وفيها : حديث عن : زكريا , ومريم , وعيسى , عليهم السلام .
وتصحيح لمفاهيم أهل الكتاب عن عيسى عليه السلام ؛ إذ هتك النصارى بمفاهيمهم المنحرفة عن عيسى عليه السلام : كل مقومات الألوهية ومقتضياتها ..
فجاءت هذه المجموعة لتصحح ذلك كله, ولتعطينا تصوراً صحيحاً عن هذا الموضوع , ينسجم مع المعانى التى قدمتها وبينتها لنا المجموعة الأولى؛ تحقيقا للحق؛ وإبطالاً لما عليه أهل الكتابين – من الإفراط والتفريط – فى شأن عيسى وأمه , عليهما السلام .
ويلاحظ : أن خاتمة هاتين المجموعتين من الآيات متشابهة.
فخاتمة المجموعة الأولى قوله تعالى{ فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين }[ الآية : 32]
وخاتمة المجموعة الثانية قوله تعالى فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين [الآية63]
ومعنى ذلك :
أن المجموعة الأولى, التى وضعت الأمور فى نصابها بالنسبة للقرآن , والإسلام , ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم , ووجوب طاعته، وكذلك : المجموعة الثانية , التى وضعت الأمور فى نصابها بالنسبة لعيسى عليه السلام المتفقتين فى الغاية وهى وضع الأمور فى نصابها – كما رأينا – تعتبران مدخلا, ومقدمة ضرورية , لفتح حوار شامل مع أهل الكتاب .
وهذا ما تؤديه المجموعة الثالثة , حسب ما يلى :-
المجموعة الثالثة :
عبارة (36) آية
من الآية (64) حتى نهاية الآية 99 .
وفيها :
حوار شامل مع أهل الكتاب ؛ ليدخلوا فى الإسلام , وليتحققوا بما دعت إليه السورة فى المجموعتين السابقتين من آياتها .
ويبدأ هذا الحوار : بالدعوة إلى عبادة الله وحده .
ثم .. تأنيب أهل الكتاب على دعواهم " إن إبراهيم يهودى , أو نصرانى ", يعقبه : تبيان أن أولى الناس بإبراهيم عليه السلام : هو محمد صلى الله عليه وسلم .
ثم .. تبين المجموعة : رغبة أهل الكتاب فى إضلال المسلمين ,وتؤنبهم على الكفر , وخلط الحق بالباطل, وكتمانهم الحق .
ثم .. تبين بعض خططهم لإضلال المسلمين , بعض إعتقاداتهم التى تجعل بعضهم يستبيح الخيانة, مع أن القاعدة الكلية المقبولة عند الله تعالى هى الوفاء بالعهد .
ثم .. تقص علينا بعضا ًمن : أخلاقهم ومواقفهم , وترد عليهم فيها .
ثم .. تدعوهم إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم , وبالإسلام , وتؤنبهم على أن توجههم إلى غير ذلك .
ثم.. تبين أن هؤلاء لا يستحقون الهداية , إذ إنهم كانوا مؤمنين فكفروا .. إلا إذا اجتمع للواحد منهم : التوبة والإصلاح .
ثم.. يبين الله لهؤلاء الكافرين :ما أعده لهم من عذاب إن أصروا على الكفر وماتوا عليه .
ثم.. تبين – لهم , ولنا – بعضا مما يدخل فى ما هية البر , وأن النسخ قائم فى شريعتهم ؛ حيث إنهم بحجة عدم جواز النسخ يرفضون الدخول فى الإسلام .
هذا .. وإذ كانت قضية القبلة من شبههم ..!!
فإن كلاما عن بيت الله , الذى بناه إبراهيم عليه السلام يأتى , وفيه تبيان لشرف هذا البيت , وفرضية الله على الناس حجه , فضلاً عن استقباله فى الصلاة ، كما قررته سورة البقرة .
ثم ..تختم المجموعة :بنداء لأهل الكتاب , تؤنبهم فيه على الكفر بآيات الله ...
وبنداء آخر : تؤنبهم فيه على صدهم عن سبيل الله , وإبتغائهم العوج .
ويلاحظ : أن فى بداية هذه المجموعة وفى نهايتها قل يا أهل الكتاب , مما يدل على أنها كلها من بدايتها إلى نهايتها ..
حوار _ كما ذكرنا – مع أهل الكتاب يدعوهم , ويكشف لهم , ويكشفهم ...إلخ .
بعد أن تم وضع الأمور نصابها بالنسبة : لعيسى عليه السلام , والإسلام والقرآن, ورسالة محمد صلى عليه وسلم ووجوب طاعته .
وبهذه المقدمات الضروية والمعلومات الهامة : التى قدمتها .
المجموعات الثلاث : يكون الدخول في باقي السورة فى توجيه مباشر للأمة المسلمة، بخصوص علاقتها مع : أهل الكتاب ، وأهل الكفر .
المجموعة الرابعة :
عبارة عن (49) آية .
من الآية (100) حتى نهاية الآية (148).
وفيها : النهى من خلال نداء المؤمنين ، وتحذيرهم من طاعة أهل الكتاب ؛ لما يترتب على ذلك من الردة عن الإسلام.
وبيان : أن الكفر لا ينبغي لنا بعد وجود القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم .
والحض على : الاعتصام بالله ، وأن في ذلك هداية إلى الصراط المستقيم .
والأمر : من خلال النداء للمؤمنين كذلك .. بالتقوى ، والموت على الإسلام، والاعتصام بحبل الله ، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، والدعوة إلى الخير ... وبيان أن ذلك هو طريق الفلاح .
والتحذير : للمؤمنين – في نطاق النداء الثاني – مما فيه هلاكهم ، وعذابهم ، كالتفرق والاختلاف مثلما كان من أهل الكتاب .
وبيان : أن الذين اختلفوا منهم كانوا فئتين ، فئة تؤمن ، وفئة تستمر على فسوقها وكفرها .. وتوضيح عدم استواء هاتين الفئتين في ميزان الله سبحانه وتعالى .
والتأكيد على خيرية : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنها لن يصيبها ضرر من خارجها إلا أذى طفيفا ، وأما النصر فهو لهم .
وحديث عن الكافرين ، وعدم نفع أموالهم ، ولا أولادهم ، ولا إنفاقهم مع استمرار كفرهم .
والنهى مرة أخرى – من خلال النداء الثالث للمؤمنين ، في هذه المجموعة – عن أن يتخذوا بطانة ومستشارين لهم من دون المؤمنين ، كائنا من كانوا، مع بيان الأسباب الداعية إلى هذا النهى .
والتذكير : بما يعين على الامتثال لهذا النهى .. فهاتان طائفتان مؤمنتان كادتا أن تفشلا بسبب حسن ظنهما بالمنافقين يوم أحد ، ثم إن عصمة الله لهما منعتهما من ذلك ..
كما أن نصرة الله للمؤمنين يوم بدر ينبغي أن تكون على ذكر منا ، بحيث تقتلع من قلوبنا ما يمكن أن نحذره حين لا نتخذ بطانة من دون المؤمنين .
وتذكير – أيضاً – بحكمة الله عز وجل ، التي تجعله يعذب من يشاء ، يغفر لمن يشاء .
وهذا التذكير وذاك : له تأثيراته في قضية النهى عن اتخاذ بطانة من الكافرين .
والأمر مرة أخرى – من خلال النداء الرابع للمؤمنين ، في هذه المجموعة – بما فيه بناء الجماعة المسلمة ، بعد أن حذرها من أخطر قضيتين يمكن أن نتساهل فيهما ، وهما : طاعة أهل الكتاب ، واتخاذ بطانة من دون المؤمنين .
حيث تأمر هذه المجموعة من الآيات ، من خلال النداء الرابع للمؤمنين ، بترك الربا ، والطاعة لله وللرسول ، وعدم الوهن والحزن .....الخ .
مما يظهر – من خلال هذه الأوامر – أن الطريق للبناء والفلاح والتقدم هو هذا ...وليس في اتخاذكم – يا مؤمنين ، حكاماً ومحكومين – بطانة من دونكم، أو طاعتكم – يا مؤمنين ، حكاما ً ومحكومين – لأهل الكتاب .
ويلاحظ على هذه المجموعة بصفة عامة : أن فيها تثبيتاً لأهل الإسلام ، بالبقاء على الإسلام ، من خلال : ترك ما يؤدى إلى الردة ، وفعل ما يثبت على الهداية .
المجموعة الخامسة :
عبارة عن (52 ) آية .
من الآية (149) حتى نهاية الآية (200 ) وهى خاتمة آيات السورة :
وفيها :
النهى – من خلال النداء الخامس للمؤمنين – عن طاعة الكافرين .
والوعد من الله تعالى : بأنه سيلقى في قلوب الذين كفروا الرعب ، وينصرنا عليهم .
والتعليل لما حدث يوم أحد .. مما ظاهره التعارض مع هذا الوعد .
وعرض لبعض الصور مما حدث يوم أحد .
والنهى مرة أخرى – من خلال النداء الخامس – عن أن يقول المؤمنون عن إخوانهم الذين قتلوا يوم أحد لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا .
مع عرض لبعض الدروس من غزوة أحد .
والتصحيح – في هذه المجموعة – لبعض التصورات والمفاهيم الخاطئة عند الكثيرين من المؤمنين وغيرهم .
كما في قوله تعالى { ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خيرا لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين } [ آل عمران 178] .
وكما في قوله تعالى{ ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } [ آل عمران: 180] .
وكما في قوله تعالى { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم } [ آل عمران: 188] .
ثم فى النهاية : تكون تعليمات وتوجيهات لأهل الإيمان .
ويلاحظ في المجموعة : أن بناء الجماعة عن طريق التربية من خلال الواقع ، ومحاسبة النفس على الخطأ .. يبرز بشكل واضح .
كما يلاحظ :
أن هذه المجموعة .. جاءت في النهى عن طاعة الكافرين مطلقاً .
وأن المجموعة التي سبقتها – في آيات السورة – جاءت في النهى عن طاعة أهل الكتاب مطلقاً
وأنهما بنيا على ما سبق من أسس وضعتها وبينتها المجموعات الثلاث السابقة .
فالأولى : وضحت الموقف الصحيح من القرآن والإسلام ....الخ .
والثانية : وضحت الموقف الصحيح من عيسى بن مريم عليهما السلام .
والثالثة : دخلت في حوار مع أهل الكتاب بناء على ما في المجموعتين السابقتين ، ودعتهما إلى الدخول في الإسلام ، وكشفت عن الصالح فيهم من الفاسد .
وجاءت هاتان المجموعتان – الرابعة والخامسة – لتبني الجماعة المسلمة ، بناء على ما سبق ، وتحذر من التميع والذوبان والضياع عن طريق طاعة أهل الكتاب ، أو طاعة الكافرين .